موضوع: أطفال غزة..بين القصف و الحصار الأحد 24 أغسطس 2014, 3:16 pm
أطفال غزة...بين القصف و الحصار على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، أستمر الحصار والحرب في غزة الأبية وبانتهاك صارح لحقوق الإنسان يستمر الحصار الجاني على اهلنا في غزة ، وحرم ألأطفال من الغذاء والدواء ومستلزمات الحياة الإنسانية . . وساهمت هذه الكارثة الإنسانية التي هي من صنع المعتدي الغاشم في زيادة حدوث الأمراض السارية والجسدية والنفسية وانتشارها في المجتمع الغزاوي بشكل كبير ، وتناسبت مع حجم الكارثة وعواقبها الصحية تناسباً طردياً . . فكيف يكون الوضع عندما تمتد الكارثة ، ليس لأيام أو شهور وإنما لسنوات ، وعندما تكون الكارثة مصممة من أجل إلحاق أشد الأذى والضرر بالإنسان الفلسطيني وبيئته .
والوضع الصحي للطفل الفلسطيني تحدده مجموعة من العوامل هي : العوامل البيولوجية الخاصة بالطفل . العوامل البيئية والطبيعية والحيوية والاجتماعية . العوامل الخاصة بالخدمات الصحية . توافر الخدمات الوقائية والعلاجية أين الطفل الفلسطيني من هذه العوامل وما المسافة بينه وبينها أثناء الحصار والحرب .. وهل هي لصالحه أم هي ضده ، فقد تم إلحاق أشد الأذى الجسدي والنفسي بكل طفل إذ تم تلويث جميع عناصر البيئة – مصادر الماء والغذاء والتربة والهواء بالمواد الكيماوية الخطرة بعد تدمير شبه كلي للبنية التحتية . كل ذلك أدى إلى تدمير كلي للبيئة فالهدف هو محاولة لتخريب الإنسان والطفل جسدياً ومعنوياً قبل تصفيته .
وإذ تقاس صحة المجتمع بمعدلات حدوث الأمراض وانتشارها ومعدلات الوفيات إضافة إلى المعدلات الخاصة بميزات سكانية لها علاقة مباشرة
وقد أظهرت نتائج مسح وفيات الأطفال : معدل وفيات الأطفال الرضع 18.6% معدل وفيات الأطفال دون الخامسة 33.2% معدل وفيات الأطفال فوق سن الخامسة 48%
حيث تم ملاحظة ان الاصابات التي حدثت لاطفال غزة كانت تقارب اكثر من 70% اصابات في منطقة الرأس والعنق وما تبقى كانت اصابات في الصدر والاطراف ومنطقة البطن بالنسبة للاطفال المتوفين
تعتبر وفيات الأطفال الرضع نتيجة الاصابات المختلفة بسبب العدوان مؤشراً حساساً للوضع الصحي في غزة ، ولإن الأطفال في هذه الفترة من العمر يشكلون مجموعة مكشوفة وحساسة للتعرضات البيئية المختلفة . كما أن هذه الفئة العمرية تتأثر سريعاً بالأوضاع الصحية السائدة وتتأثر كثيراً بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى عوامل سكانية ، وتتأثر كذلك مستويات الرعاية الصحية والعلاجية والوقائية أما وفيات الأمهات فتعتبر مؤشراً خطراعلى صحة ماتبقى من الاطفال
وسوف نلاحظ في المستقبل القريب زيادة كبيرة في حدوث الأمراض السارية . . وخاصة تلك الأمراض المنقولة بالماء والغذاء . زيادة في وفايات حدوث الأمراض المزمنة : أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري . ارتفاع شديد في معدلات وفيات الأمومة ووفيات الأطفال الرضع . أمراض سوء التغذية في استمرار . نتيجة التدني الكبير في خدمات الرعاية الصحية في غزة الابية . وكل ذلك يدل على التدهور البيئي الخطير الذي حصل في غزة وتدني المستوى الصحي للطفل إلى درجات مقلقة جداً .
هذا وكان للحصار والحرب على غزة آثار مباشرة وغير مباشرة على سلوكيات الأطفال . . حيث تذكر دراسات اليونيسيف بأن أكثر من 90 % من أطفال غزة يعانون من مشكلات جدية من عدم الشعور بالأمن على نحو يؤثر في فاعليتهم ويشمل هذا النوع من السلوك حالات القلق والخوف ، وانخفاض اعتبار الذات والاكتئاب . وإيذاء الذات والحساسية الزائدة للنقد والخجل – الانسحاب والقهرية – والمبالغة في التصرفات الفردية .
ويمثل القلق : وهو الشعور بعدم الارتياح والاضطراب من الهم المتعلق بالحوادث اليومية لاهلنا في غزة . . حيث تتضمن حالة القلق شعوراً بالضيق وانشغال الفكر وترقب الشر والموت فالطفل يمكن أن يتأثر بسبب الأحداث أو الأصوات المفاجئة للتفجيرات التي تقع بالقرب من بيته . وتتضمن أعراض القلق اليومي للطفل ( البكاء والصراخ والأحلام المرعبة وفقدان الشهية والغثيان وصعوبات التنفس وكذلك يصبحون فريسة سهلة للمرضى والتكدر ويظهرون قلقاً زائداً تجاه مواقف الحياة اليومية المضطربة حولهم) . . وربما يكون هنالك تدني في التحصيل الدراسي للأطفال خلال دراستهم وهو أمر قد يكون ناتجاً عن تدخل عامل القلق في قدرتهم على الأداء بفاعلية .
الخوف : وهو انفعال قوي غير سار . . ينتج عن الإحساس بالخطر المحدق بالطفل وذلك بسبب ما يراه من جراح وإصابات جسدية وأحداث حرب وقتل يومي في شوارع غزة ، وكما يذكر في تقارير جمعيات الانوروا واليونسف والمنظمات المهتمة بالاطفال بأن أكثر من نصف أطفال غزة مادون عشرة سنوات تظهر لديهم مخاوف الأخطار الجسيمة وأكثر من 75% من الأطفال دون خمس سنوات تظهر لديهم مخاوف مشتركة من أصوات الانفجارات والطائرات ومن أهم أسباب هذا الخوف هي الصدمات التي تحدث لأسرهم حيث يؤدي التوتر النفسي إلى خوف مستمر وخاصة عندما يشعر الطفل بالعجز أمام التعامل مع مثل هذه الحوادث ، والأخبار السيئة والمصائب التي تنقلها وسائط الاتصال ورؤيتهم للقتل والحوادث مما جعل هؤلاء الأطفال يطورون فكرة عن عالمهم بأنه مكان شرير ومخيف وكذلك فإن الأطفال في حالة من المرض والعجز جعلهم في الغالب أكثر استعداداً لتطوير المخاوف . . ويزداد هذا كلما كان هناك حالات سوء التغذية والمرض ولا ننسى دور الاسرة في غزة في تأكيد حالة الخوف لدى الطفل حيث أن الطفل يلاحظ حالة الخوف لدى الكبار أو الأخوة . . حيث يتعلم الطفل الخوف من التقليد وخاصة من الأم أو الأب فالآباء الخائفون مما حولهم ، ومن عدم القدرة على مواجهة الحياة اليومية المليئة بالحوادث والموت تسهم في تطوير نظره إلى العالم قائمة على الخوف لدى الأطفال .
ومن المظاهر الواضحة لدى الأطفال في قطاع غزة الاكتئاب وذلك بسبب التوتر والخوف والعدوان . . وقد لوحظ وجود عدد متزايد من الأطفال المكتئبين ممن هم دون الثانية عشرة وتشير التقديرات لدى الأطباء النفسيين إلى أن طفلاً من كل خمسة أطفال يعاني شكلاً من الاكتئاب ولا نبالغ إذا قلنا بأن حوالي نصف الأطفال ممن هم دون 13 سنة واقعين بما يسمى بالاكتئاب المقنَع واستجابات الحزن والعجز هي استجابات شائعة في غزة ومما يجعل الموقف أكثر خطورة . كما يرى كثير من الاخصائيين هو أن الاكتئاب يمكن أن يكون سبباً لكثير من المشكلات السلوكية لدى الأطفال مثل نوبات الغضب ، والهروب من المدرسة والشعور بالإرهاق والفشل في المدرسة ، والإنحراف والمشكلات النفسية والجسمية ، وهؤلاء الأطفال المكتئبون نادراً ما يظهرون الفرح أو السرور وتظهر لديهم أنماط من التأرجح المزاجي واضطرابات في النوم . . وقد يكون سريعي البكاء يائسين مما يرون في محيط أسرهم وحياتهم اليومية .
ومن الممكن ان تظهر صعوبات يعاني منها الاطفال في علاقاتهم مع بعض مثل القتال واعتداء الواحد على الآخر والقسوة على الحيوانات وردود الفعل العدوانية . إذ أن كثير من الاطفال الذين تم مراجعتهم للمستشفيات في فترة العدوان يظهرون سلوكاً عدوانياً أو غير منضبط ومن الواضح أن نمط السلوك الذي يتضمن العدوان على نحو مستمر يكون بسبب مشاكل نفسية وسلوكية بسبب الحرب والمشاكل الأسرية التي نتجت عن الظروف البيئية المحيطة بالطفل وليس ثمة معالجة فردية أو وصفة عامة لخفض عدوانية الأطفال إلا من خلال اختفاء مظاهر الخوف والعدوان والموت اليومي في محيط الطفل وذلك للإقلال من التعرض للعنف .
والسلوكيات الاجتماعية لدى الطفل بدأت منذ الأيام الأولى للعدوان الغاشم على اهلنا في غزة. . وبدأت تنتشر وتضع الطفل في حالة صراع مع أسرته ومجتمعه . . وقد أسهم الحصار الشائن منذ اكثر من اربعة سنوات والفوضى السائدة في عدم إتاحة الفرصة لهؤلاء الأطفال للحياة الطبيعية ، وعدم وجود الدافعية ، وعدم وجود الأب وإنشغال الوالدين بأمور الحياة اليومية الصعبة ، جعلت الأطفال يظهرون أشكال متعددة لسلوكيات لا اجتماعية وظهور السلبية والتحدي الظاهر للأسرة ، ونمط العصيان الحاقد .
، وما حدث لأطفال غزة ما هو إلا ردة فعل غريزي للإحباط أو التعرض للهجوم اليومي للبيئة المحطة وهذا المزاج السيئ هو بشكل عام نتيجة للإحباط وتعرضهم في البيئة لمشاهدة الحياة اليومية الصعبة والمدمرة .
بقلم الدكتور صالح بن سليمان الحربي موقع صحيفة سعودي 24 : http://saudi24.net/articles/2138.html